بقلم عبد العزيز مزياني
- طالب مفتش -
الشراغف ... وبيض الحلزون !!
عادت بي الذكريات إلى زمن جميل، مرحلة ذهبية من العمر، ترسخت في الوجدان، وحفرت في الذاكرة. إنها السنين والشهور والأسابيع والأيام التي قضيتها في القسم رفقة المتعلمين والمتعلمات داخل حجرة من البناء المفكك، يتجاوز عمرها الأربعة عقود، تعاقبت عليها أفواج متلاحقة، منهم الآن الطبيب والمحامي والفقيه والعالم...
عند استجوابه من طرف أحد الصحفيين، وفي معرض رده عن سؤال بخصوص أبهى مرحلة عمرية مازالت عالقة بذهنه، رد المرحوم "عبد الرحيم بوعبيد" بتلقائية و بدون تردد:" إنها الفترة التي قضيتها داخل القسم !!"
في إحدى حصص النشاط العلمي بالمستوى الخامس، وفي حصة من حصص التوالد عند الحيوانات، طلبت من المتعلمين والمتعلمات سلفا، تشكيل مجموعات من أربعة عناصر، لأجل إعداد الوسائل اللازمة لسير الحصة: شراغف وبيض الحلزون ! أوليس هذا انفتاحا للمدرسة على محيطها؟!
أما الشراغف فمعرفتي بها قديمة، تعود إلى الطفولة المبكرة، حيث كنا نصطادها في المجاري المائية نتفحصها وندقق في مكوناتها و... كنا نعتقد أنها صغار الأسماك!... لكن سرعان ما تتغير فسيولوجيتها ! فنصيح بأعلى أصواتنا:" إنها صغار الضفادع !" لا تنقصنا سوى عبارة "أرخميدس" المشهورة، لكن هذه المرة في صيغة الجمع:"وجدناها، وجدناها"...ما أروع أيام الصبى !
لكن بيض الحلزون، لاتتجاوز معرفتي به الصور المبثوثة على صفحات الكتب والمجلات، ولم يسبق لي أن رأيته عين اليقين... الآن حانت الفرصة، من يدري؟ .. قد لاتتكرر مرة أخرى! لكن بعد ماذا؟.. بعد أربعة عقود تناوبت تباعا؟ !...وكأني ماعمرت هذه الدنيا إلا ساعة من نهار بلاغ ! كم أنت قصير أيها العمر !!!
أحضر الجميع أدوات(حيوانات) البحث والدراسة، والتفوا من حولي طلبا للتشجيع والمدح والثناء، والذي لم أبخل به أبدا في حقهم؛ يقينا مني بأن هذا النزر الشحيح، إنما يشكل شحنة قوية لهم تحفزهم على مضاعفة جهودهم مستقبلا... أما في قرارة نفسي وأعماق كياني، فأرى أني لم أوفهم حقهم..إنهم يستحقون أكثر من ذلك !!
بيض الحلزون، متراكم بعضه فوق بعض، لا يتجاوز قطر البيضة الواحدة بضعا من الميليمترات، متماسك بواسطة مادة سائلة لزجة وذا لون أبيض ناصع، يضعه الحلزون(خنثى) في التراب بمكان يمتاز بالرطوبة وتهوية مناسبة...هذه معارف نظرية هامة و أساسية يتقنها كل أستاذ يقدم مواضيع النشاط العلمي بالمستوى الخامس...
لكن التطبيق والبحث الميداني الحقيقي عن البيض إنما قام به هؤلاء المتعلمون والمتعلمات، بكل ما أوتوا من نشاط وحيوية. وما أنا سوى منشط وميسر ومنظم لعملية التعلم داخل فضاء القسم، إضافة نوعية، ليس إلا … ! لكن شتان ما بين إضافة وإضافة... شتان ما بين النظري...والتطبيقي !!
ساد الهدوء بعد دقائق معدودة أرجاء القسم، أخذت كل مجموعة مكانها المعتاد...وانطلق الدرس في جو ممتع بهيج، زاد من بهجته إقبال المتعلمين والمتعلمات على التحصيل في نهم منقطع النظير !!...حقا إنها متعة التعلم ولذته !!
وأنا أتفحص البيض وأدقق فيه، قبيل انطلاق الحصة، جالت في خاطري جملة أسئلة لها صلة وثيقة بعمليتي التعليم والتعلم في المدارس المنتشرة عبر رقعة وطننا الحبيب، أحببت أن أطرح بعضا منها، كخاتمة لهذه القصة، التي تتكرر داخل فصولنا الدراسية بصيغ شتى ومظاهر متعددة:
§ ماذا سيخسر الأستاذ لو تنازل عن بعض من سلطته المزعومة لفائدة متعلميه من حين لآخر؟
§ ألم يحن الوقت بعد لوقف هذا النزيف من الإتهامات القدحية الموجهة للمتعلمين والمتعلمات؟
§ إلى متى ستظل مدارسنا قلاعا محصنة، لايرى ظاهرها من باطنها؟ ألم يحن الوقت بعد لانفتاحها الحقيقي، الفعلي والفاعل على محيطها؟
§ هل تمتلك فعلا مجالس المؤسسة على اختلاف تسمياتها وتنوع وظائفها، صلاحية في اتخاذ القرارات وتنزيلها ميدانيا، ومن تم تتبعها وتقويمها؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق